المعلم منارة لا تنطفئ


The Rise of Gourmet Street Food: Trends and Top Picks
بقلم/ الدكتور رشيد بن عبدالعزيز الحمد

- غريب أن تتحوّل عودة المعلّمين إلى عناوين صاخبة في بعض المنابر الإعلامية، تُقدَّم وكأنها حدث مفاجئ، لا ندري أهو ابتهاجٌ أم تعريضٌ مبطّن! يُراد لنا أن نرى المعلّم موظفًا عابرًا يفتقر إلى الانضباط، بينما هو في جوهره أشبه بمنارةٍ لا تنطفئ، وقنديلٍ لا ينكسر، يحمل رسالته في قلبه قبل أن تُحمله التعليمات على كتفه.

اليوم، تتردّد الأحاديث عن بصمات الوجه والصوت والإصبع، وكأن المعلّم طيفٌ مُراوغ لا يثبت، أو طائر لا يُمسك إلا بشباك التقنية. يتجاهلون أنه منذ أن وقف أمام السبورة، مارس أسمى أشكال الرقابة على نفسه، إذ يواجه كل صباح مرايا صافية هي وجوه التلاميذ، لا تغفل ولا تكذب. فما أعظمها من رقابة، حين يكون الضمير هو المِسطرة، والرسالة هي القانون!

التقنية في ذاتها ليست عدوًا، بل هي لغة العصر وأداته. غير أن الألم يكمن في الأسلوب الذي تُساق به الأخبار: تُعرض وكأنها سوط جديد، أو قيدٌ يطوّق من لم يُعرف عنه إلا الوفاء والجدّ. أي ظلمٍ هذا لرسالة المعلّم وصورته؟

إن البصمة التي يتركها المعلم لا تُلتقط بعدسة ولا تُسجَّل بجهاز، بل تُنقش في قلوب الصغار، في أحلامهم التي تكبر، وفي نجاحاتهم التي تزهر مع الزمن. بصمته الحقيقية شجرة وارفة في ذاكرة الوطن، تظلّل الأجيال وتمنحها ثمراً من قيمٍ ومعرفة.

ولذلك، نحن بحاجة إلى لغة إعلامية أكثر رقيًّا، تُقدّم التقنية كجسرٍ للتطوير لا كقيدٍ للتشكيك، وتُعيد للمعلم مكانته التي تليق به: ركيزة النهضة ومهندس العقول، لا موظفًا تحكمه دقائق ساعة أو عدّادات حضور.

المعلم في نهاية المطاف ليس توقيعًا في دفتر، ولا إشارة على جهاز، بل هو أثر خالد في الأوطان، بصمة من نور، إذا مرّت الأجيال عليها أزهرت القيم، وإذا حملتها الحياة أينعت الحضارة